…تعد اللغة العربية من اللغات الحية التي ما تزال تحتفظ بكثير من الخصائص، من حيث قوة الألفاظ، ورصانة المعاني، ويعود ذلك إلي كونها لغة القرآن الكريم "كلام الله عز وجل الذي أنزله على قلب الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - " المحفوظ إلي يوم الدين { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [سورة الحجر، الآية: 9]، والذي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [سورة فصلت، الآية: 42].
وقد اشتدت في السنوات الأخيرة الحملة على الإسلام وخاصة في ظل النظام العالمي الجديد، وزاد من ضراوتها وسائل البث والإعلام الحديثة في عصر تدفق المعلومات والفضائيات المفتوحة، واستغل خصوم الإسلام هذه المستجدات فاتخذوها منافذ للانقضاض على قيم الإسلام ومبادئه، بغية تشويه حقائقه أو القضاء عليه إن أمكن، لأنه أصبح المنافس الوحيد لحضارة أوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
ودأب الغرب على إثارة الشبهات ضد الإسلام إما على شبكة الانترنت، أو على مطبوعات مجهولة المصدر.
التبشير باللغة الانجليزية على أنها العالمية التي هي لغة البشرية.:
…يقول حمدان في مقدمة بحثه(3)" اللغة الإنجليزية التي ربطت مشرق العالم مع مغربه، وشماله مع جنوبه، فهي تعتبر اللغة العالمية الأولى، كما أن تعلمها مهم وضروري جدا".
وهذه دعوى باطلة لا تصمد أمام المحك العلمي الصحيح، حتى الناطقون باللغة الانجليزية أنفسهم يثبتون ذلك، فهذا صمويل هنتغتون يثبت في كتابه "صدام الحضارات" أن القول بعالمية اللغة الإنكليزية ما هو إلا وهم كبير، وخلص إلى القول "إن لغة تعد أجنبية لدى 92% من سكان الأرض لا يمكن أن تكون عالمية"(4).
إن هذا التحدي الذي يواجه اللغة العربية اليوم ويدعو إلى إقصائها كونها لغة جامدة لا تصلح لغة للعلم والعصر، مرده إلى الشعور المبالغ فيه بأهمية اللغة الانجليزية الناتج غالباً عن الانبهار بكل ما هو أجنبي، والظن بأن التقدم لا يأتي إلا عن طريق إتقان اللغة الأجنبية للجميع، بل والتحدث بها بين العرب أنفسهم، ومن المعروف أن هذا ما يسمى في علم النفس بـ (عقدة النقص) فيحاول البعض أن يضفي على شخصيته شيئاً من الرقي والتطور عن طريق النطق باللغة الأجنبية بين العرب، فبدلاً من أن يقول لك حسناً، أو جيد، يقول لك (1)(OK).
إن هذا الشعور يأتي من الإحساس بالهزيمة النفسية التي يعاني منها الإنسان العربي في هذا العصر، والإعجاب المتنامي بصانع الحضارة المعاصرة الذي يمثل المنتصر والغالب، ومن البدهي أن يقلد المغلوب الغالب، في شعاره وزيه وسائر أحواله وعوائده. ومن المعلوم أن اللغة العربية هي أكثر اللغات وفرة في المعاني والألفاظ والاشتقاق، ويوجد فيها من الحروف ما لا يوجد في غيرها، ومع ذلك فقد دخلت علينا ألفاظ ومصطلحات ألفنا النطق بها رغم أنها في الأصل غير عربية، مثل كلمة (سيدا) للتعبير عن السير باتجاه الأمام، و(بنّد) للتعبير عن الإغلاق، و (GLASS) للتعبير عن الكأس، وهكذا الكثير من المفردات المتداولة بين الشعوب العربية على الرغم من أن هذه الكلمات والألفاظ غير عربية، مع العلم أنه يوجد في لغتنا ما هو أسهل وأجمل، فبدلا من كلمة (تلفون) كلمة هاتف، وبدلا من كلمة (موبايل) نقال أو جوال أو المحمول أو الخلوي، وكلها ألفاظ عربية فصيحة لطيفة وخفيفة(2).
وكان من نتيجة ذلك أن ارتفعت الأصوات التي تنادي بتعليم اللغة الأجنبية للأطفال منذ نعومة أظفارهم بادعاء أن إتقان اللغة الأجنبية إنما يتم في هذه المرحلة، حتى إن بعض المدارس أخذت تعلم بعض المواد العلمية للأطفال باللغة الأجنبية، على أساس أن يتعرف الطالب عليها منذ نعومة أظفاره لتسهل عليه دراستها في المراحل المتقدمة(1).
وذكر الدكتور الضبيب أن دراسات أجريت على طلاب فلبينيين يستخدمون اللغة الفلبينية في دراسة العلوم، تبين أنهم قادرون على فهم التعابير العلمية بشكل أفضل من الطلاب الذين يستخدمون اللغة الإنكليزية.(2)
وقد أثبتت الدراسات أن الطلاب السوريين الذين تعلموا العلوم الطبية والهندسية باللغة العربية هم أقدر من غيرهم من الطلاب الذين تعلموا العلوم نفسها ولكن بغير لغتهم الأم(3).
ولقد قام بعض أساتذة الرياضيات في جامعة إربد الأردنية بترجمة الكتب المختصة في هذه المادة المقررة على طلاب السنة الأولى، وأخذوا يلقون منها دروسهم عليهم، وكانت النتائج إيجابية جدا لأن استيعابهم لهذه المادة كان قويا، وعندما تغير عميد الكلية، أمر العميد الجديد بإلغاء الكتب المترجمة إلى اللغة العربية(4)، وأن توضع مكانها كتب باللغة الإنجليزية مما أدى إلى ارتباك الطلاب وتراجعهم.
ويقول الدكتور محمد هيثم الخياط نائب مدير المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط: " لقد دفعني عملي الذي أضطلع به حالياً إلى الإطلاع عن كثب على تعليم الطب في الجامعات المصرية (وسواها) فرأيت أستاذاً يستعمل لغة لا يعرفها لينقل العلم إلى طالب لا يعرف هذه اللغة أيضاً" ويقول: "وأوراق الامتحانات التي اطلعت عليها في بعض جامعاتنا التي تدرس بلغة أجنبية وينجح كاتبوها، لو أنها صححت في البلد الأصلي لهذه اللغة الأجنبية لكان إعطاؤها واحداً على عشرة صدقة من الصدقات"(1).